شهدت الفترة الثانية من حكم الرئيس الأمريكي بارك أوباما تغييرات كبيرة على صعيد الأمن القومي؛ ففي هذا الإطار اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية مع الحكومة البريطانية على تكثيف الحضور البريطاني العسكري والأمني في الخليج وشرق قناة السويس لإتاحة الفرصة للولايات المتحدة أن تقوم بتوطيد نفوذها في جنوب شرق آسيا..
وبهذا الخصوص وفي جلسات الاستماع في الكونجرس أشار كل من سلطات البنتاجون ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية بشكل تلويحي إلى إحالة ملف الشرق الأوسط إلى وكالة المخابرات المركزية وأن تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بتكثيف اهتمامها على منطقة جنوب شرق آسيا وإذا أمعنا النظر في التطورات المحدثة في الاستراتيجية البريطانية يتضح لنا هذا الأمر جليًّا إذ نرى أنَّ الحكومة البريطانية خلافًا لقراراتها السابقة في عام 1970م من الانسحاب من قناة السويس ومنطقة الخليج تسعى في الفترة الأخيرة إلى الخروج من العزلة والقيام بدور نشط في منطقة الشرق الأوسط.
بدأ هذا التحول الاستراتيجي في السياسات البريطانية منذ عام 2010 وفي عام 2014 قام فليب هاموند وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث بإبلاغ هذا القرار إلى 6 من دول مجلس التعاون الخليجي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي هذا الاجتماع قدم هاموند طلب بلاده رسميًا لزيادة تواجدها العسكري في الخليج ولزوم إعداد العقود العسكرية وإعطائها قواعد عسكرية في الشواطئ الخليجية مع تأكيده على التزام بلاده باحتواء إيران.
وجاءت كل اتفاقيات بريطانية العسكرية مع قطر والبحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة في إطار هذه الاستراتيجية الكبرى والتي كانت بداياتها مبنية على اتفاقية دولة بريطانية ووزارة الدفاع الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق.
ولهذا السبب اقترحت تيريزا ماي في اجتماعها المغلق مع رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية المنامة في عام 2016 على تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد التعاون الخليجي وخطة إنشاء الشرطة المشتركة الخليجية وكما اقترحت خطة إنشاء البحرية المشتركة الخليجية واتباع استراتيجية عزل روسيا من منطقة الشرق الأوسط خاصة من مصر وسوريا والعراق مؤكدة على وجوب الوحدة العربية لمواجهة إيران وروسيا.
ومشاركة توني بلير في إعداد رؤية 2030 وإقناع الرياض لدعم حيدر العبادي بغرض تقليل اعتماده على إيران ومشاركة بريطانية في الحد من نشاطات جماعة الإخوان وحركة حماس وتعليق الدعم الذي تقدمه قطر لجماعة الإخوان وحركة حماس بتخليهما عن أفكار سيد قطب كلها تأتي في إطار تحقيق هذه الاستراتيجية التي اتبعتها بريطانيا كما يتضح من كل هذه الأمور أن بريطانيا أصبحت شريكا استراتيجيًا معتمدًا للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وبناءً على هذا والثقة الموجودة بين لندن وواشنطن نرى أوباما قد يخلي الساحة لحضور لندن في الخليج.
ولكن ترامب انتهج سياسة مغايرة لسياسات أوباما حيث إنه لم يألُ أي اهتمام لهذه الاتفاقيات وعمل على إنشاء تعاملات وعلاقات حميمة مع زعماء دول الخليج وتوفير الترتيبات اللازمة لعقد صفقات عسكرية واقتصادية وأمنية مع هذه الدول.
وفي المقابل رحلات تيريزا ماي إلى دول الخليج بغرض تذكير واشنطن باتفاقياتها السابقة مع لندن أو حتى إنذارها من عدم نقض هذه الاتفاقيات لم تكلل بالنجاح إذ نرى ترامب لا يأبه لكل هذه الإشارات وينقض هذه الاتفاقيات برحلته إلى الرياض واجتماعه بكل قادة دول الخليج متجاهلًا ذلك الشريك الاستراتيجي التقليدي؛ لأنه كان يريد كل الدولارات العربية لنفسه ولتنمية اقتصاد بلاده غير مهتم باتفاقيات قادة الولايات المتحدة السابقين مع الاتحاد الأوروبي ولندن.
ومن هنا يمكننا اعتبار أزمة قطر صفعة بريطانية على وجه ترامب لتخرجه من غفلته وتلزمه بكل اتفاقيات بلاده ولكن الأمر ليس كما تظنّه بريطانيا وعلى ما يبدو أن ترامب لم يكن ساهيًّا من قبل حتى يعيد الآن إلى صوابه بل إنه رجل أعمال تاجر ذكي يحتاج إلى كل دولارات السعودية والدول الخليجية لإنعاش اقتصاد بلاده فالأزمة السعودية القطرية وإن أدت إلى نشوب حرب بين البلدين لا تهمه بشئ طالما لم تمس هذه الدولارات التي حصل عليها.