في مقام كهذا المقام المهيب الذي تطل علينا فيه الأقمار النيرة من حفدة غوث المسلمين وإمام العارفين المربين الشيخ سعد أبيه ، والدراري من مريديه ومحبيه تكفي الحال في التعبير عن ما يغمر قلوبنا من سعادة وفرح ، وهذا أبلغ في الترحيب والاحتفاء ، لأنها حال دامت منذ قدوم الشيخ سعد أبيه إلى هذه الأرض فتحولت إلى مقام .
بهذا المعنى يكون الترحيب بكم – أحبتنا الكرام – قديما جديدا ، وتتجاوز مكانتكم في قلوبنا الزمان والمكان ، ولاتفي الكلمات في هذا المقام / الحال بما يجب أن يقال مهما كان تأثير الحرف ومهما بلغت قوة تصريفه في مقام جميل من مقامات البسط يستدعي أسمى معاني الترحيب والحفاوة بكم…
يفني الكلام ولا يحيط بوصفكم
|
أيحيط ما يفني بما لا ينفد
|
إن تلبيتكم لهذه الدعوة لترجمان صادق لمحبة وعلاقة تجمعنا في الله ورثناها معا عن سلفنا الصالح ، وندرك مثلما تدركون أنه من الواجب إحياؤها وتعهدها حتي يجني الجميع ثمرتها المحققة المتمثلة في بذل الخير وتزكية النفوس .
حين يفتح الله لعبد من عباده بابا من أبواب الحكمة أو يسوق إليه نفحة خير من عطاء غير مجذوذ يلهمه برشده ، ويسعده بمدده ، ويخلع عليه من جلابيب المحبة والقبول ما يجعل النفوس تتعلق بصحبته ، والعقول تحار في حقيقته …
وحيث يلقي الله المحبة علي أحد خلقه تجري “عين الفتح” علي يده وفي ولده ، ويبصر بها من وراء الحجب لنور بصيرته ، وينقد بها معادن الناس من حوله ، لتقوم الحجة والبرهان علي أن هذه العين حقيقة في الجارية والباصرة والنقدية خارج النسق البياني المألوف .
ما بالك إذا كانت “عين الفتح” مطلع سعد من سعود دوحة الشرف ومصدر نور من مشكاة القطب الرباني/ الشيخ محمد فاضل بن مامين الممتد شعاعها من الغرب الإسلامي والصحراء الكبرى إلى منابع الأنهار الإفريقية وإلى مختلف أصقاع الدنيا …
سعد خير ذلك السعد الذي طلع من “عين الفتح” في الحوض الشرقي من صحراء الملثمين وأرض الرباط ، إنه الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل الذي اغترف العلم من عين العلم لا من جريان العلم – كما يقول القوم – فاغترف العلم والحكم معا .
وأدرك بحكم الحقيقة أن الملك شيطان العالم والملكوت شيطان العارف والجبروت شيطان الواقف فكان من كمل الأولياء الوارثين مقام الغوثية ، ومن كبار العارفين الذين قلوبهم ترى الأبد وعيونهم ترى المواقيت ، بل هو من الأقطاب الموصوفين بالموطن الثابت في درجات الولاية ، وبالقدم الراسخة في مقامات النهاية ، وبمطالعة السر في عالمي الغيب والشهادة .
كوكب ساطع أضاء الإقليم كله ، ووهبه الله لهذا القطر الشنظوري فهدى به خلائق لا تحصي ، وعم نوره المغرب الأدنى والمغرب الأقصى فظل وجهة المريد وقبلة الزائر ، عديم الأشباه والنظائر كما يقول العلامة / محمد فال الملقب ببها بن محمذن بن أحمد بن العاقل رحمهم الله :
مطلع الغرب لاح ويحك فيه سعد خير ينمى إلى كل سعد نال ما نال في صباه ولما قل لمن قال إن للغوث ندا |
سعد خير مذ لاح سعد أبيه زاخر اليم أريحي نبيه يعد عشرا مضت له من سنيه أو شبيها في قطرنا أرنيه |
وكما يقول العلامة المجدد/ باب بن الشيخ سيديا رحمه الله مخاطبا من سولت لهم أنفسهم أن يطفئوا نور الشيخ سعد أبيه ويأبي الله إلا أن يتم نوره :
حاسديه رويدكم قد تعبتم من يكن من بني النبي انتسابا وانتقاص تشبيه غير شبيه ينتهي القول دون مبلغ حبر |
قصروا عن مداه يا حاسديه واتباعا فإنه من بنيه في العلى كلها بغير شبيه كامل الفخر في الورى منتهيه |
حقا هو الحبر كامل الفخر ، ذو المزايا الجمة والمؤلفات المهمة ذات النفع العميم و “المقصد الأسنى” ، رد الشبه والأباطيل فيها بسيفه القاطع ، و “أسنته النافثة” ، و “بذل وسعه” في الدين الذي هو “النصيحة العامة والخاصة” بما في ذلك “ردع الشيب والشبان” عن محارم اليد واللسان ، والسعي في المصالح ونشر السلم والأمان .
وقد حظيت منطقة إكيدي خاصة ربوع “النمجاط” منها بوجود وجود ذلك العباب الزاخر ، فلامس تربتها نوره ، ودعت لزيارتها من كل حدب وصوب حضرته وحضوره ، وكأن السمكة التي رسمت قديما علي شكلها خريطة إكيدي كانت علي موعد مع هذا البحر الذي لا ساحل له .
فكانت الشيم الفاضلة والسجايا العذبة وحسن التربية والسلوك علي موعد مع بعضها في تناغم وانسجام يعكسان طيب العلاقة وقوة النسيج بين المدرسة الربانية في النمجاط ، والبعد الإكيدي في العلم والأخلاق .
كرس الشيخ سعد أبيه حياته لنشر العلم وحفظ الدين والإصلاح بين الناس فقصده المريدون من كل مكان ، وربطته صلات قوية بأجلاء العلماء وأعيان الأمراء والشيوخ في عصره ، إلى أن نطق لسان حال الدنيا يوم صعدت روحه الطيبة إلى باريها قائلا:
لاغرو أيتها الدنيا الفانية – وأنت تندبين ذلك الغوث الغطمطم والطود الشامخ والإمام المجلي – أن تظل عيناك لشدة الحزن والأسى تبتدران …
فدمعهما سكب وسح وديمة
|
ورش وتوكاف وتنهملان
|
نحمد الله العلي العظيم علي وجودكم اليوم بيننا واستمرار ذلك العطاء المتميز وتجلي تلك الحضرة الربانية في أبناء الغوث الشيخ سعد أبيه ، وأحفاده فكلهم بمنزلة عليا دونها الجوزاء والسماك الأعزل ، ورثوا عن جدهم لواء الفضل والسؤدد …
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
|
مثل النجوم التي يسري بها الساري
|
تغمد الله الشيخ سعد أبيه ومن قضى نحبه من دوحته الشريفة برحمته الواسعة وأدام ذلك العز ورعاه وحفظكم للإسلام والمسلمين .
طبتم أهلا ونزلتم سهلا
انواكشوط بتاريخ: 07/10/2017
بقلم الأديب الباحث
محمدن بن باب بن محمودا بن محنض بابه